العولمة الثقافية بين “الإمكان” و”الإستحالة”

بقلم: الدكتور مصطفى النشار – مصر
نشرت في المجلة المنتدى – العدد 204 – يوليو 2000 ميلادي


(1)مفهوم العولمة:

كثر الحديث عن العولمة بأشكال شتى: فهناك العولمة الاقتصادية وكذا العولمة السياسية والعولمة في مجال الإعلام والمعلومات، وهناك كذلك العولمة الثقافية.. الخ ، ورغم ذلك فلايزال مفهوم “العولمة ” غامضا ملتبسا نظرا لتعدد أشكال النظر إليه فضلاً عن اختلاف الرؤى حول كل واحد من هذه الأشكال، واختلاف المنطلقات والأهداف التي يسعى كل صاحب رؤية إلى تحقيقها من وراء حديثه!!.

ولا عجب في ذلك، فالمثقف أو المفكر الغربي مثلأ يتحدث عن العولمة من منظور ليبرالي رأسمالي وهو متاكد من أن هذا المنظور هو جوهر عصر العولمة إذ أن النموذج المطروح لكافة صور العولمة (اقتصادية وسياسية وثقافية.. الخ) إنما هو النموذج الغربي الذي يتبنى الديمقراطية الليبرالية على الصعيد السياسي والرأسمالية الحرة على الصعيد الاقتصادي.

اما المثقف أو المفكر الإسلامي العربي، فهو يتحدث عنها بلاشك من منظور ديني عقائدي، حيث يرى أن النموذج المطروح الآن للعولمة وأعني به المنظور الغربي مرفوض، وأن المفروض أن يطرح المنظور الديني الإسلامي بديلا له وخاصة أن بالإسلام الدعوة إلى عالمية الإيمان بالإله الواحد، وبكل الكتب المنزلة السابقة، وأن به النظام السياسي الأمثل والنظام الاجتماعي والاقتصادي الأمثل.. الخ.

ومن هنا فإن استجلاء مفهوم العولمة أصبح أمرأ ضروريأ . فما المقصود بها وهل من حق كل منا أن يتحدث عن مفهومه الخاص للعولمة؟! وما هي الظروف والملابسات التي جعلت هذا المصطلح يشيع على الألس وفي كل المحافل بهذا الشكل وكأنه موضة أخر القرن العشرين؟!.

إن المقصود الأشمل للعولمة في اعتقادي هو صبغ العالم بصبغة واحدة في أي مجال من المجالات، أعني أن يتقارب البشر وتذوب بينهم الفوارق في الفكر واللغة والمعتقدات وفي أي أشكال الأزياء وصور التبادل التجاري والصناعي.. الخ.. الخ.

فالعولمة تتلخص اصطلاحأ في اقتراب العالم، عالم البشر من التوحد في كل شيء بعد تذويب كل الفواصل والحواجز بينهم سواء كانت حواجز مكانية أو زمانية، بحيث يصبحون وكأنهم يعيشون في قرية واحدة، بل قل في أسرة واحدة !!

وربما يكون المدلول اللفظي للعولمة مفيدا في فهم المقصود بها؛ حيث أن المدلول اللفظي يشير إلى اتجاه البشر إلى الاشتراك في هوية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية واحدة!

فهل هذا الاتجاه إلى تنميط البشر وتجميدهم داخل إطار تلك الهوية الواحدة المنشودة أياً كانت صورتها، هل هذا ممكن أم مستحيل؟!

إن تاريخ التجربة البشرية الطويل يشير إلى محاولات بشرية عديدة جرت في هذا الاتجاه لكنها لم تنجح النجاح الكامل؟ فقد حلم بذلك اخناتون الملك المصري القديم حينما وجد امبراطوريته تتسع وتترامى أطرافها، وحينما توصل إلى عبادة الإله الواحد، الشمس التي تشرق في كل أرجاء الأرض، حلم بأن يجتمع البشر في دولة واحدة وتحت امرة حاكم واحد، وفي ظل قانون واحد وأن تجمعهم عبادة هذا الإله الواحد، ولكنه كان مجرد حلم لملك فيلسوف تبدد فور وفاته.

وتكرر الحلم عند ذلك القائد العسكري الهمام الإسكندر الاكبر، حيث أكمل تحقيق حلم والده بامبراطورية شاسعة الأطراف، واستطاع بغزواته وانتصاراته العسكرية الباهرة أن يوحد امبراطوريات الشرق وامبراطوريته اليونانية في دولة واحدة، ولكن الحلم لم يكتمل فلم تصبح الثقافة اليونانية هي حقا ثقافة العالم ولا قانون روما هو قانون العالم، بل عاد العالم إلى التفرق والهويات القومية إلى الظهور.

وتكرر الحلم مرات عديدة، فليس الحلم المسيحي بتوحيد العالم ببعيد عن تجربة الإسكندر التاريخية، بعد أن أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي للامبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي. وليس الأمر ببعيد عن جوهر العقيدة الإسلامية فالإسلام هو الدين الخاتم والأكمل. وجاءت الفلسفة الماركسية حاملة لواء العالمية ومبشرة بالتحول العالمي نحو الاشتراكية ومن بعدها إلى الشيوعية الكاملة.

ولما انتهى الصراع بينها وبين الرأسمالية الغربية إلى انتصارالأخيرة، كان من الطبيعي أن تتوج انتصارها الاقتصادي والسياسي بهذه الدعوة إلى النظام العالمي الجديد الذي تتزعمه بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها أوربا الغربية. ومن هنا بدأت تتعالى صيحات الدعوة إلى هذا النظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد والتوجه الواحد، وبدأت تظهر كتداعيات وكنتائج مواكبة لتلك الدعوة إلى العولمة والكوكبية والقرية الكونية الواحدة… الخ.

(2)آليات العولمة:

ولاشك أن عوامل عديدة تضافرت لتجعل من هذه الدعوة إلى العولمة في عصرنا الحاضر تتردد بين كل مثقفي العالم بفئاتهم المختلفة وانتماءاتهم المتعددة. وكان أبرز هذه العوامل:

(أ) ظهور العديد من المخترعات التي ألغت الفواصل الزمانية والحواجز المكانية بين البشر: فقد أصبح بإمكان أي إنسان في أي مكان على ظهر الأرض أن يلتقي بآخر في اللحظة نفسها، إما عبر أسلاك الهاتف أو عبر شاشات التليفزيون أو شبكات الانترنت وأجهزة الكمبيوتر. وإذا كان اللقاء البري ضروريأ فلابأس، فالطائرات الأسرع من الصوت أصبحت قادرة على أن تنقل أي مسافر لأي جزء من العالم خلال ساعات معدودة. ويستطيع أي رجل أعمال أن ينتقل عبر قارات العالم المختلفة في يوم أو يومين لينهي أي عمل يحتاج لوجوده المباشر بسرعة لم يعرفها العالم من قبل!

(ب) سيولة المعلومات وتدفقها المذهل عبر شبكات الانترنت بين قارات العالم وبلدانه المختلفة، جعل بإمكان أي فرد فى أي بقعة من العالم أن يصبح عالميا في كل شيء بدءا من معرفته لكل ما يجري في العالم في اللحظة نفسها التي يحدث الحدث فيها وكأنه يعيش في منطقة الحدث أيا كانت المسافة المكانية والزمانية التي تفصله عنه، وانتهاء بإمكانية التسوق عبر هذه الشبكات، وتلقى رسائله ومكالماته التليفونية عبرها أيضا.. الخ.

لم يعد الفرد إذن ملزما بالخضوع لما تفرضه حكومته الحالية من قيود إعلامية أو اقتصادية أو سياسية عليه، ولم يعد ملزما كذلك بالخصوع للعادات والتقاليد التي يفرضها عليه مجتمعه الصغير (الأسرة) أو مجتمعه الكبير (الدولة). بل أصبح في حوار دائم وجدل لا ينقطع مع أي شيء يحدث في أي بقعة من العالم يتأثر به وربما يؤثر فيه، يتلقى عنه وربما يلقنه ما يريد..

لقد انعزل الفرد المعولم إذن عن مجتمعه المحلي وأصبح فردأ معولما، أصبح مواطنا عالميا إذا جاز هذا التعبير!

(ج) الاتفاقيات الدولية واكبت هذا التحول أو بالأحرى أكدته واتجهت إلى تقنينه؛ فمن اتفاقية إنشاء الامم المتحدة ومنظماتها المختلفة إلى اتفاقية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى اتفاقية “الجات” التي صارت هي الأخرى في اخر صورها منظمة من المنظمات الدولية هي المنظمة العالمية للتجارة، وقد أقرت صناعة الثقافة كأحد الصناعات المتداولة التي تخضع بكافة صورها المكتوبة والمرئية والمسموعة لكافة البنود والضوابط المحددة للتجارة الدولية مثلها مثل المنتجات الزراعية والصناعية الأخرى!!

وقد أكد الموقعون على اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية “الجات” في الوثيقة الختامية لمراكش وهم وزراء 124 دولة على ‌«عزمهم على العمل لتحقيق انسجام أكبر على المستوى العالمي للسياسامت المتبعة في الميادين التجارية والنقدية والمالية بما في ذلك التعاون بين المنظمة العالمية للتجارة وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي لهذا الفرض‌» (1). ولعله قد اتضح لنا من هذا النص مدى وعي الموقعين عليه بضرورة تضافر جهود كل تلك الهيئات الدولية لتحقيق العولمة الاقتصادية.

إن تلك الآليات المتعددة والمتمثلة في تلك المخترعات الحديثة التي أزالت الحواجز المكانية والزمانية بين البشر، وتلك الاتفاقيات التي سهلت وجود الشركات العابرة للقارات وجعلت الرأسمالية- على حد تعبير أحد الاقتصاديين- رأسمالية نفاثة(2) ، ينتقل بموجبها رأس المال من مكان إلى مكان ومن دولة إلى أخرى ومن قارة إلى أخرى في لازمن ولا جهد وبدون أي قيود من أي نوع. أقول إن تلك الآليات قد جعلت بإمكان الحلم أن يتحول إلى واقع، جعلت بالإمكان أن ينصهر البشر في بوتقة واحدة وأن يتحولوا إلى كتلة بشرية متجانسة في معاملاتها المالية والتجارية والاجتماعية، وتوجهاتها الفكرية، وفي الغايات والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.. الخ.. الخ.

ولكن هل هذه الإمكانية صارت واقعأ حيأ ملموسأ؟! وحتى إذا سلمنا بأنها وخاصة على الصعيد التجاري والمالي أو الاقتصادي عموما، إذا سلمنا بأنها صارت واقعا ملموسا في الميدان الاقتصادي، فهل بإمكان هذا الواقع أن يستمر ؟! وهل إذا حدث واستمر لفترة، هل يمكن أن يستمر إلى مالا نهاية بمعنى هل يمكن لهذا الاقتصاد المعولم أن يحقق كل مصالح البشر على نفس النحو؟! وهل يمكنه تحقيق العدالة بينهم؟!

إن الحقيقة الساطعة في هذا المجال الاقتصادي تقول ” إن العولمة من خلال السياسات الليبرالية الحديثة التي تعتمد عليها إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة للماضي السحيق للرأسمالية” فبعد قرن طفت فيه الأفكار الاشتراكية والديمقراطية ومبادى، العدالة الاجتحاعية، تلوح الآن في الأفق حركة مضادة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات، وليست زيادة البطالة وانخفاض الأجور وتدهور مستويات المعيشة وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة وإطلاق آليات السوق وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وحصر دورها في “حراسة النظام” وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين في غالبية دول العالم، كل هذه الأمور ليست في الحقيقة إلا عودة لنفس الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية (1850-1750) وهي أمور تزداد سوءأ مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى الليبرالية الحديثة ‌(3).

إن تلك الحقيقة تشير بحق إلى قتامة المستقبل الاقتصادي في ظل العولمة، حيث أن مؤلفي كتاب ،”فخ العولمة‌” يشيران إلى أن القرن القادم سيحمل نذير الشؤم لمعظم عمال العالم حيث أن خمس قوة العمل سيكفي لإنتاج جميع السلع ولسد حاجة الخدمات الرفيعة القيمة التي يحتاج إليها المجتمع العالمي. إن هذه الـ 20 بالمائة هي التي ستعمل وتكسب المال وتستهلك (4). إن المسألة ستكون في المستقبل هي على حد تعبير أحدهم إما أن تأكل أو تؤكل‌ ( To have lunch or to be lunch). إن مجتمع القرن القادم في ظل العولمة سيكون مجتمع ‌« الخمس الثري وأربعة الأخماس الفقراء (6).

إذن فالمسألة الاقتصادية في ظل الاقتصاد المعولم لن تحقق العدالة، بل ستمحوها وستقضي العولمة الاقتصادية على الاستقرار الاجتماعي وتقوض البنية الاجتماعية للمجتمعات الرأسمالية الفتية، فما بالنا بالمجتمعات الفقيرة أصلأ! أنها ستموت جوعأ بلاشك!!

إذا كان هذا هو الحال في مستقبل الأيام كما يتنبأ الاقتصاديون، فهل يحق لنا أن نسير في ظل العولمة الاقتصادية معصوبي العينين؟! وهل يحق للمثقفين ورجال الفكر أن يظلوا في موقف المتفرج والعالم يتجه إلى هذا النفق المظلم الذي يحمل بداخله كل صور الاستغلال والفقر وانعدام المساواة والرخاء؟!! لقد قدم كاتب هذه السطور رؤيته للخروج من هذا النفق المظلم للعولمة الاقتصادية فيما كتب عن سبل النجاة من فخ العولمة الاقتصادية(7). ولما كنا معنيون الآن بالعولمة الثقافية، فلعل السؤال التالي يكون: هل الحال في العولمة الثقافية كالحال في العولمة الاقتصادية؟! وبعبارة أخرى هل العولمة الثقافية التي يتجه العالم إليها الآن ممكنة؟!

وإذا كانت ممكنة فما هي النتائج التي تترتب على وجودها كحالة واقعة؟ وإذا لم تكن ممكنة، فما هو السبيل للنجاة من فخاخها المنصوبة الآن لكل ثقافات العالم عدا الثقافة الغربية أو ربما لكل ثقافات العالم بما فيها الثقافة الغربية ذاتها؟!

إن الإجابة عن مثل هذا السؤال المركب تبدأ من تحديد المقصود بالعولمة الثقافية والتمييز بين مضمونها أو محتواها المعرفي وبين آلياتها أو الوسائل التي تتحقق بمقتضاها.

(3) مفهوم العولمة التقافية:

إن المقصود بالعولمة الثقافية بالطبع هو التقارب الذي يحدث بين ثقافات شعوب العالم المختلفة لدرجة ذوبان الفوارق الحضارية بينها، وصهرها جميعأ في بوتقة ثقافة واحدة ذات خصائص مشتركة واحدة.

ولاشك أن آليات تحقيق هذا التقارب قد زادت في السنوات العشرين الماضية لدرجة أصبح الإنسان معها في أي مكان في العالم المترامي الأطراف خاضعأ لتلقي كل أو على الأقل معظم ثقافات الشعوب المختلفة عبر وسائل الأعلام المختلفة، وعبر كل تلك المخترعات التي سهلت له الاطلاع على فكر الشعوب المختلفة وعاداتها وتقاليدها وديانتها وعلى كل ما تنتجه قرائح هذه الشعوب في اللحظة نفسها التي تنتجه فيها أو بعد ذلك بقليل.

ولكن السؤال الذي قد يلح علينا هو: أيكن معنى ذلك بأن بالإمكان أن يتوحد البشر في ثقافة واحدة ذات ملامح مشتركة بالفعل؟!

والإجابة عندي أنه ينبغي التمييز بين ظاهر الأمر وباطنه، فظاهر الأمر أن البشرية تتجه بالفعل في ثقافتها المعاصرة إلى الاعتقاد بملامح عامة تميز ثقافة إنسان نهاية هذا القرن وبداية القرن القادم: وأبرز هذه الملامح الاتفاق على (أ) الاعتقاد بحرية الإنسان في ممارسة حقوقه الطبيعية المشروعة فيما يتعلق بحرية العقيدة وحرية الرأي وحرية الفعل. (ب)الاعتقاد بأن حقوق الإنسان الفرد والحفاظ عليها هو واجب الحكومات المحلية المختلفة وأن تلك الحكومات تكتسب الشرعية والاحترام من التزامها بالحفاظ على تلك الحقوق، وعلى مدى ما تتيحه للأفراد من ديمقراطية في التعبير وفي اختيار ممثليها وفي اختيار نمط حياتهم كما يشاءون. (ج) من مظاهر الثقافة الموحدة أيضأ تلك الملامح المشتركة التي نشاهدها للأزياء التي يرتديها الناس، وتلك العادات والتقاليد المشتركة التي بدأوا يمارسونها في مختلف المناسبات. (د) ومن هذه المظاهر أيضأ اتجاه الناس في مختلف أرجاء العالم إلى التحدث بلغة أجنبية إلى جانب لغتهم المحلية، وخاصة اللغات الأوربية الحديثة وعلى وجه أخص اللغة الانجليزية التي كادت أن تصبح لغة العالم الرسمية لدرجة أن بعض الدول الناطقة بلغات أخرى تنازلت عن المرتبة الأولى للغة الإنجليزية وجعلت لغتها المحلية في المرتبة الثانية.

(هـ) ولاشك أن من تلك الملامح المشتركة بين ثقافات العالم الأن اتجاه الناس في تلك الآونة إلى تقدير المنافع الذاتية الشخصية على حساب المصلحة العامة لمجتمعهم لقد أصبح الأفراد في هذا العصر أكثر أنانية وأكثر جريأ وراء مصالحهم المادية الذاتية، وأكثر تقديرأ للمنافع المادية على حساب وسائل التقدير المعنوية.

إن تلك وغيرها أصبحت مظاهر عامة لثقافة الناس في هذا العصر في جهات العالم الأربع. ولكن إن دققنا النظر وحاولنا الغوص إلى ما وراء هذا الظاهر فإنه سيتبين لنا أمرين:

أولهما: أن عذه العناصر المشتركة التي تحدثنا عنها للثقافة العالمية الآن هي في الأساس عناصر ثقافة الغرب الرأسمالي وهي العناصر التي نجحت الحركات الاستعمارية في الماضي القريب، ووسائل الإعلام الغربية المهيمنة سواء في الماضي القريب أو في الحاضر الذي نعيشه أن تبثها وأن تصور لمتلقيها بمختلف الوسائل أنها العناصر الجوهرية التي لا غنى عنها للثقافة الإنسانية، وأنها جوهر التحضر وما عداها يعد ثقافة تخلف ينبغي الإقلاع عنها والإفلات من براثنها ؟!

وثانيهما: أن هذه العناصر رغم تغلغلها الواضح، ورغم نفوذها القوي على معظم البشر في أرجاء العالم ورغم سيطرتها على عقول مثقفي العالم ومنظريه خاصة بعد انهيار المعسكر الشرقي وقيمه الاشتراكية. أقول رغم ذلك فإننا نلمح التململ الواضح لدي شعوب العالم غير الغربي من هذا التغلغل ورفضهم لهذا النفوذ وتلك الهيمنة التي تفرضها عليهم الثقافة الغربية.

ولا أخالف الحقيقة إن قلت أن بوادر حركة مضادة للثقافة الغربية وتعميمها قد بدأت تتشكل ملامحها في مختلف أرجاء العالم الشرقي سواء في أسيا أو في افريقيا والعالم العربي والإسلامي أو حتى لدى دول الكتلة الشرقية السابقة وخاصة بعدما عانوا من النتائج والتداعيات السلبية بعد تفكيك أسس ثقافتهم الاشتراكية وانخراطهم في الثقافة الغربية الرأسمالية.

ولا أشك في أن هذه الحركة التي بدأت تتشكل سوف تتمخض في النهاية عن اتجاه مضاد للعولمة الثقافية خاصة إذا عرفنا أن معظم عناصر تلك العولمة هي في الأساس كما أشرنا سابقأ عناصر الثقافة الغربية وقيمها الخاصة. وفي اعتقادي أن هذا الاتجاه المضاد للعولمة اوإن كان خافت الصوت في اللحظة الحاضرة، فهوسيكون الاتجاه السائد بالفعل مع البدايات الأولى للقرن القادم، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار تلك الغطرسة العسكرية التي يتباهى بها الغرب الآن في مختلف أنحاء العالم سواء في أوربا (البوسنة والحرب في كوسوفا ويوغوسلافيا) أو في العالم العربي والإسلامي (ضرب العراق وحرب الخليج والعقوبات المفروضة على ليبيا وبعض دول المنطقة… الخ).

فقد علمتنا دروس التاريخ أن التباهي بالقوة العسكرية ومحاولة السيطرة على العالم من خلالها هي بداية النهاية لأي إمبراطورية عظمى في التاريخ. وانظر لنتائج غزو الإسكندر الأكبر ونابليون وهتلر للعالم تجد مصداق ذلك.

على أي حال، فإن العولمة الثقافية كما تبدو في ظاهرها هي عولمة غربية الطابع والملامح وذلك بفعل هيمنة وسائل الإعلام الغربية وبفعل قوة الغرب وقوة علومه وسياساته. وما المقصود بتلك العولمة الأن إلا ‌”غربنة العالم‌” وصبغه بصبغة غربية في مختلف مجالات الحياة) (8).

وإذا كان عذا هو جوهر الثقافة المعولمة وجوهر توجهاتها وأهدافها، فهل يمكن أن تستسلم شعوب العالم بثقافاتها المختلفة إلى مالا نهاية لهذه الثقافة غربية الملامح والمنطلقات والأهداف؟!

(4) بين ثقافة العولمة واقتصاد العولمة.

الحقيقة انه لكي نجيب عن هذا التساؤل ينبغي أن نميز بين آليات الإقتصاد االمعولم وآليات الثقافة المعولمة؛ فالآليات الاقتصادية أليات مادية وقانونية يؤدي الالتزام بها إلى تقويض نمط الاقتصاد المحلي لأي دولة واستبداله بالاقتصاد المعولم أي ذلك الذي يتيح حرية انتقال رؤوس الأموال وإزالة أي حواجز أمام انتقال السلع وإعطاء الضمانات الكافية للمستثمرين الأفراد، أو لما يمثلونه من شركات عابرة للقارات سواء أكانوا أجانب أم مواطنين. إن تلك العولمة الاقتصادية ليست رغم كل شيء من قبيل الحتميات الاقتصادية والتكنولوجية الشبيهة بالأحداث الطبيعية التي لا يمكن الوقوف في وجهها، بل هي نتيجة حتمية خلفتها سياسات معينة بوعي وإرادة الحكومات والبرلمانات التي وقعت على القوانين التي طبقت السياسات الليبرالية الجديدة وألغت الحواجز والحدود أمام حركات تنقل السلع ورؤوس الأموال (8).

إذن العولمة الاقتصادية أتت نتيجة لسياسات معينة طبقت بادىء ذي بدء في الدول الغربية الرأسمالية وفرفست على الدول الأخرى بشكل أو بآخر سواء عبر موافقتها على سياسات تلك الدول الغربية والأخذ بها لما أثبتت من نجاح في تلك الدول، أو عبر توقيعها على المعاهدات والاتفاقيات الدولية كاتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية. وبالطبع فإن الخضوع لهذه الاتفاقيات وتنفيذها يترتب عليها تلقائيأ دخول تلك الدول الموقعة في دائرة الاقتصاد المعولم الذي لا يعرف الحدود أو الحواجز ولا يعير سلطة الدولة المحلية كثير اهتمام؛ فالأساس الأول والأخير هنا هو كيف يتضاعف رأس المال وبأي وسائل وفي أي مكان تبعأ لما تحدده قوانين السوق والبورصات المالية.

والأمر الذي أود لفت الأنظار إليه هنا هو أن آليات السوق الحر إذا ما انطلقت وإذا ما تقرر الخضوع لها فإن ألة الاقتصاد هنا ستتحرك بطريقة حتمية نحو فرض سلطانها على الجميع بكل أثارها الإيجابية والسلبية وبدون توقف، وقد لا يستطيع الفكاك منها ومن أثارها من بدأوا تحريكها أنفسهم!! اللهم إلا إذا حدث تغيير شامل لتلك السياسات والتشريعات والقوانين والاتفاقيات الأصلية، وأعيد تشكيلها من جديد.

إن اقتصاد العولمة إذن يتحقق بطريقة آلية وكنتيجة حتمية للخضوع لسياسات وتشريعات واتفاقيات معينة. إنه يمكن أن يتحقق إذن في أي مكان من العالم بصرف النظر عن الأفراد أو الدول التي تخضع له أو تطبقه وبصرف النظر عن البيئة الثقافية أو الرؤى الحضارية لفرد ما أو لشعب ما أو لدولة ما. إنه ينمو ويصبح حالة واقعة بمجرد الخضوع لتلك التشريعات والاتفاقيات الدولية التي تستهدف تحققه!!

والأمر مختلف في اعتقادي فيما يتعلق بالعولمة الثقافية؟ إذ على الرغم من أنها يمكن أن تتحقق عبر وسائل مادية آلية هي الأخرى، إلا أن هذه الوسائل المادية لا تحقق بذاتها تلك العولمة الثقافية، بل تحققها إذا ما لاقت قبولأ من الفرد ذاته، وإذا ما لاقت الاستجابة لدى الشعوب التي تتلقى ما تبثه هذه الآليات التي تستهدف عولمة الثقافة.

إن أليات العولمة الثقافية كما قلنا وكما نعرف كثيرة ومتعددة وقد تكون بالفعل عظيمة التأثير على المتلقي وليس أدل على ذلك من أن الكثير من أبنائنا المعولمين قد يجلسون أمام شاشات التليفزيون العالمية أو أمام شبكات الانترنت العالمية معظم وقتهم يتلقون بانبهار كل ما يبث ويتفاعلون معه ويتأثرون به بلاشك. لكن هذا التلقي لا يحدث تأثيره في نفس الفرد أو بالأحرى في عقليته إلا إذا رغب الفرد في ذلك، وبعبارة أخرى إلا إذا أراد الفرد ذلك بالفعل وتفاعل مع هذه المواد التي يتلقاها بإيجابية.

إن ما أود توضيحه هنا هو أن عقل الفرد هو المعني هنا بمادة الثقافة المعولمة، فإذا ما تفاعل بإيجابية مع مادة هذه الثقافة انعزل جزئيأ عن ثقافته المحلية وأصبح تابعأ لهذه الثقافة المعولمة، وإذا ما وجد في عقله وفي نفسه ما يرفض تلك الثقافة المعولمة فإن تأثيرها هنا عليه سيكون سلبيأ إذ بإمكانه أن يرفضها كلية سواء كان ذلك نتيجة لتمسكه بثقافته القومية المحلية أو كان لعدم اقتناعه بالقيم التي تروج لها هذه الثقافة المعولمة أو التي يراد لها أن تكون كذلك!!

إن المسألة هنا لا تأخذ مسارها بشكل مادي بمجرد الخضوع لاتفاقات معينة أو لقوانين معينة، بل هي مرهونة بالاقتناع الذاتي للفرد ومرهونة بالتالي بإرادة شعب ما التخلي عن ثقافته القومية والتنازل عنها لصالح تلك الثقافة الجديدة الوافدة. وإذا ما أدركنا أن معظم عناصر تلك الثقافة المعولمة أو التي يراد لها ذلك عناصر غربية وحاملة للقيم الغربية المادية المتطرفة في ماديتها وتركيزها على اللّذي والشهواني والملموس..، الخ، لأدركنا أنها لا يمكن أن تلقى القبول المطلق عند معظم شعوب العالم الأخرى، وخاصة تلك الشعوب صاحبة الحضارات العريقة وصاحبة القيم الرفيعة والتراث الحي في نفوس أبنائه.

وإذا ما تساءل السائل هنا: إذن، كيف تفسر ذلك التكالب على تلقي ثقافة العولمة؟ وبما تفسر عناصر ذلك التقارب الذي حدث بين الثقافات المختلفة لدرجة أوجدت معها عناصر تلك الثقافة المشتركة بين شعوب العالم الآن؟ تلك العناصر التي أشرنا إليها من قبل؟!

ولهذا السائل أقول ما سبق أن أوضحته من قبل حول ضرورة التمييز بين ظاهر الأمر وباطنه، فظاهر الأمر يوحي بأننا نعيش عصر ثقافة العولمة، وباطنه يشير إلى وجود تلك الثقافة المضادة للعولمة وأعني الثقافات الوطنية القومية للشعوب المختلفة واعتزاز هذه الشعوب بما يعني أنها ستقاوم حتما الذوبان في ثقافة العولمة مفضلة عليها إحياء ثقافاتها القومية والتمسك بها أكثر وأكثر!!

(5) عوائق العولمة الثقافية:

إن التقارب الثقافي الذي حدث بين مواطني العالم كان حتميأ بفعل آليات نشر الثقافة التي أصبحت متاحة للجميع وبأسرع الطرق وأيسر السبل. ولكن هذا التقارب لا يعني في اعتقادي إمكانية أن يخضع الجميع لثقافة بعينها بحجة أنها الثقافة السائدة أو بحجة أنها ثقافة الغالب حسب اصطلاح ابن خلدون، فالمسألة هنا لم تعد ثقافة غالب، وثقافة مغلوب، ولم يعد ممكنأ تصور أن المغلوب سيقلد حتمأ الغالب كما لم يعد ضروريآ أن ينجح الغالب في فرض ثقافته على المغلوب. إن هذا التقارب الثقافى قد نشأ بلاشك نتيجة أمرين؟ أولآ: تلك الوسائل الحديثة التي سهلت الحوار الحضاري بين الأمم وجعلت التلاقح بين ثقافاتها المختلفة ميسورأ وضروريأ. ثانيأ: أن كل شعب وكل حضارة من الحضارات العريقة تحتوي بلاشك على عناصر محددة لا يختلف حولها البشر حال نضوجهم العقلي وبلوغهم مرحلة الرشد الحضاري في أي عصر كان وفي أي مكان كانوا. وهذه العناصر التي نجدها في معظم حضارات العالم وثقافاته الراشدة هي مثلا احترام إنسانية الإنسان واحترام حقوقه الطبيعية في ظل المجتمع المدني، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الأفراد في ظل قانون يحترمه الجميع.. الخ.

إن هذه العناصر وإن كانت مستحدثة بالنسبة للثقافة الغربية، إذ أن عمرها لايزيد على ثلاثة قرون، فإنها لدى الشعوب الأخرى تمثل تراثأ عريقا يمتد لدى بعض عذه الشعوب لما قبل الميلاد.

وبالطبع فإن هذه الشعوب إذا ما تفاعلت مع ما يردده الغربيون الان حول تلك الأمور، فإنها تتفاعل معها ليس من منطلق التسليم بالثقافة السائدة أو الغالبة، بل من منطلق أنها تمثل لديهم بعض أو أحد عناصر ثقافتهم الأصلية. والحق لا يضاد الحق كما قال فلاسفة الإسلام في التوفق بين الدين والفلسفة.

ومع تسليمنا بوجود هذا التقارب الثقافي بين شعوب العالم المعاصر، فإننا لا نميل إلى التسليم بإمكانية أن تتوحد الثقافة عالميأ، ولا نؤمن بإمكانية أن تنصهر ثقافات العالم في ثقافة مشتركة واحدة على الأقل في المستقبل المنظور من القرن القادم. وذلك لأسباب عديدة ولعوامل تعوق هذه العولمة الثقافية،ويمكن أن نشير إلى بعض هذه العوامل فيما يلي:

(1) أن الثقافة المعولمة أو التي يراد تعميمها هي في الواقع ثقافة الغرب الرأسمالي. إذ على الرغم من أنها كما قلنا فيما سبق تمثل الثقافة السائدة أو قل الثقافة الغالبة في هذه الأيام، على الرغم من ذلك فإن ما تحمله من مبادىء وقيم هي في الواقع مبادىء وقيم مادية في جوهرها. ولا تستقيم حياة الإنسان ككل إذا ما عاش وفقأ لهذه الثقافة المادية.

إذن فإن مضمون الثقافة المعولمة نفسه، لا يستقيم مع الحياة السوية للإنسان وهو يخالف جوهره وحقيقة وجوده. ومن ثم فإن الإنسان وإن تظاهر بقبول هذه الثقافة المادية أو تعلق بها لفترة فإنه حتمأ سيكتشف أوجه قصورها. وليس ببعيد عن إدراكنا أن بعض فلاسفة الغرب المعاصرين أنفسهم قد أدركوا جيدآ هذه الحقيقة وحذروا من سيادة النموذج الثقافي الغربي التقليدي على الغربيين أنفسهم، بل بشروا بانهيار الحضارة الغربية ككل إن لم تتراجع عن هذا النموذج المادي في النهوض الحضاري وعلى رأس هؤلاء فلاسفة من أمثال شبنجلر(10) وتوينبي(11) واشفيتسر(12).

(ب) إن الثقافة المعولمة لا تستطيع النفاذ إلى الإفراد والشعوب كما أشرنا فيما سبق إلا عبر عقولهم وضمائرهم الأخلاقية وعبر إراداتهم الواعية الحرة. وليس هذا بالأمر السهل اليسير، لأن كل إنسان عاقل إن قبل ظاهريأ التشكل بمظاهر ثقافة الغرب وتمثل بعض عادات الغربيين، فإنه حتمأ سيفكر ويعيد التفكير فيما أل إليه حاله من هذا التقليد وتلك التبعية وحينئذ سيهتدي إلى العقائد الصحية الصحيحة مستلهمآ في ذلك تراثه الثقافي وزاده الحضاري المستقل.

(ج) إن هويات الشعوب الثقافية تستند على عراقة الحضارات التي تنتمي إليها وتاريخية هذه الحضارات، ومن ثم فإن الشعوب إن قلدت النموذج الثقافي الشائع والسائد فإن هذا لا يستتبع أنها قد وقعت أسيرة لهذا النموذج المقلد لأن الشعوب سرعان ما تحل من التقليد وتعود إلى التمسك بأصالتها خاصة وأن النموذج الثقافي السائد والغالب يعد نموذجأ هشأ يركز على بعد واحد، بينما الإنسان كائن مركب. والبعد الروحي فيه هو الأصل وليس البعد المادي المتمثل في الجسد.

(د) الاعتقاد السائد لدى أبناء معظم الثقافات المعاصرة وخاصة من أصحاب الحضارات الكبرى في التاريخ الإنساني، بأنهم أبناء حضارات عظمى متكاملة، وأنهم إن استفادوا من الحضارة الغربية الحديثة بعض التقنيات والمخترعات والمناهج البحثية، فليس معنى ذلك أنهم قد خضعوا لها أو سلموا بتفوقها. فتلك التقنيات وتلك المخترعات وهذه المناهج الجديدة في البحث العلمي إنما هي ميراث للبشرية ككل ساهمت فيه كل الحضارات البشرية منذ فجر التاريخ الإنساني بنصيب وقد نجحت الحضارة الغربية الحديثة في استثمار هذا الميراث الحضاري للبشرية وطورته. ومن حق جميع شعوب العالم أن تستفيد من هذا الميراث ومن ما أدخل عليه من تطورات مستحدثة.

إن من شأن هذا الاعتقاد أن يقوض الظن السائد بأن الثقافة الغربية الحديثة هي ثقافة العالم أو ينبغي أن تكون كذلك لأنها من وجهة نظر أبناء تلك الحضارات العريقة وعلى رأسها الحضارة العربية الإسلامية، وحضارات الشرق القديم والحديث، أنها من وجهة نظرهم حضارة ناقصة غير متكاملة، ولا تفي بكل أغراض الحياة الإنسانية، ومن شأنها أن تخلق إنسانأ مشوهأ يسعى إلى الكمال ولكن هيهات أن يصل إليه إن لم يتغذ على الزاد الروحي من الحضارات الأخرى.

إن هذا الاعتقاد من شأنه تقويض أي محاولة لعولمة الثقافة، فالثقافة الأفضل والأكمل والأرقى ستكون في النهاية هي الثقافة الوطنية لأبناء تلك الحضارات العريقة وليست الثقافة الوافدة الخارجية الغازية!

(هـ) النظرة الاستعلائية العنصرية للثقافة الغربية؛ فعلى الرغم من أن فلاسفة الغرب ومفكريه المحدثين والمعاصرين كثيرا ما ينادون بالحوار الحضاري، وكثيرأ ما ينشدون في فلسفاتهم نشيد الاستفادة من الحضارات الأخرى. إلا أن الواقع يقول بأن الإنسان الغربي قد ترسخ لديه عقدة التميز الحضاري، وأنه وحده القادر على الإبداع. وأن الأخرين عليهم التلقي والاستفادة دون أن يحاولوا التميز والإبداع المستقل لأنهم غير قادرين على ذلك بشكل مستقل..

ومن هنا فإن أي دعوة للحوار الحضاري من جانب الغربيين إنما هي في الواقع دعوة إلى الإذعان لمبادىء وقيم الحضارة الغربية الحديثة المتفوقة المتطورة.. الخ. وحينما يبدأ الحوار من هذه العقدة ، عقدة التميز لدى الإنسان الغربي، ومن هذه الدعوة الخفية إلى الإذعان، فإنه بلاشك سيكون حوار الطرشان، أي لن يكون حوارأ بحق. فالحوار ينبفي أن يبدأ من التسليم من قبل الجميع بما أسميه، التكافؤ الحضاري(13)، فعلى من يتحاورون أن يؤمنوا أولأ بأن كل حضارة لديها عناصر تفوقها الذاتية وأنه بالإمكان أن تستفيد كل حضارة من الحضارات الأخرى المعاصرة لها دون أن تسعى إلى مسخها أو تشويهها أو التقليل من شأنها.

إن ما أقوله فى هذا الصدد ليس تنظيرا أو ضربأ من الخيال لأنه حالة واقعة ينظر من خلالها الإنسان الغربي والمفكر الغربي إلى الأخرين، فمجرد تقسيم العالم إلى عالم أول وثاني وثالث نظرة عنصرية تقيس التقدم البشري بمعيار مادي بحت، وتصنف شعوب العالم من منظور الفقر والغنى مرة، ومن منظور اللون والجنس مرة أخرى، ومن منظور الشمال والجنوب مرة ثالثة وهكذا.. وليس ببعيد عن ذلك الإصرار على أن تبقى السيطرة الغربية على الأمم المتحدة وأن يكون للدول الغربية الأغلبية في مجلس الأمن الدولي، ولهم وحدهم حق الاعتراض على أي قرار حتى وإن اتخذته أغلبية شعوب ودول العالم في الجمعية العامة. وليس ببعيد عن ذلك كذلك ازدواجية المعايير التي تدار بها شئون العالم من قبل أمريكا وأوربا نظرأ لامتلاكها قوة السلاح والعتاد وقدرتها بالتالي على أن تفرض مفهومأ ناقصا ومزريأ للعدالة على الآخرين.. الخ.. الخ.

إن الممارسات الغربية تكشف عن أن الثقافة الغربية ثقافة عنصرية تسعى لتحقيق مصالحها المادية دون النظر إلى مصالح الشعوب الأخرى. فكيف أذن تقبل شعوب العالم الأخرى التحاور مع ممثلي ثقافة عنصرية استعلائية. وما الذي يضمن لهم أن هذا الحوار سيكون مجديا على المدى الطويل. إن فرض الرأي بالقوة أو من خلال التلويح بها لا يمكن أن يفرز ثقافة مشتركة للبشرية يتعايش في ظلها الجميع.

(و) الاتفاقيات الدولية المستحدثة كاتفاقية الجات التى أصبحت منذ عام 1995م تتضمن شقأ خاصا بحقوق الملكية الفكرية نصت فيه على إمكان “تطبيق المبادىء الأساسية” لاتفاقية جات 1994 م والاتفاقيات أو المعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الملكية الفكرية، وعلى “وضع المعايير والمبادىء الكافية فيما يتعلق بتوفر ونطاق واستخدام حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة، وتوفير الوسائل الفعالة والملائمة لإنقاذ حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة مع مراعاة الفروق بين شتى الأنظمة القانونية القومية ” (14).

ومن شأن هذه النصوص الواردة في اتفاقية الجات معاملة كل ما يتعلق بالشأن العلمي والثقافي معاملة السلع التجارية الصناعية المختلفة. وبالتالي فهي تتضمن شروطا تجعل من عملية الترجمة أو الاقتباس من المؤلفات الأجنبية أو من أي شيء مماثل متعلق بالملكية الفكرية مسألة غاية في الصعوبة وخاصة على الدول والأفراد الذين لا يستطيعون دفع المقابل المادي لشراء حقوق الاقتباس والترجمة وما شابه ذلك.

ولعل هذا يفسر لنا إحجام بعض الدول ومنها بعض الدول العربية عن التوقيع عن تلك الاتفاقيات لأنها تحتاج في هذه المرحلة بالذات من تطورها الحضاري إلى الترجمة عن ثقافات العالم وعلومها دون أي مقابل مادي مكلف(15).

وبالطبع فإنه سواء وقعت هذه الدول على تلك الاتفاقيات أو لم توقع فإنها ستتعرض إن عاجلآ أو أجلآ لتوقيع العقوبات عليها من قبل الدول أو المؤسسات أو الأفراد المالكة لتلك الحقوق الفكرية.

إن هذا الحصار الفكري الذي فرض على معظم دول العالم باسم حماية حقوق الملكية الفكرية وتحت الشعار المادي المروج لتلك الحقوق والنظر إليها نفس النظر إلى السلع الصناعية والتجارية المختلفة، هو حصار يشير إلى عدة دلالات:

أولها: التأكيد على ما سبق وقلناه فيما يتعلق بالاتجاه المادي البحت للحضارة الغربية ومحاولتها حجب العلم ومشتقاته عن الأخرين رغم أنهم- أي أبناء الحضارة الغربية- لم يدفعوا مقابلأ ماديأ للأخرين حينما نقلوا عنهم كل ما نقلوا وحينما ترجموا عنهم كل ما ترجموا وحينما استغلوا عقول أبناء الحضارات الأخرين واستنزفوها لمصلحتهم.

وثانيها: أن المقصود من هذه الإجراءات هو الحرص على بقاء الفجوة واسعة بين التقدم العلمي الغربي وبين التخلف العلمي في شتى أنحاء العالم الأخرى. بل إن المقصود هو ،” زيادة تخلف العالم النامي‌”(16) بزيادة هذه الفجوة نتيجة عدم قدرة العلماء في هذا العالم على الاستفادة المباشرة وغير المقيدة من المنتجات الفكرية والعلمية لعلماء الشمال الغربي المتقدم.

وثالثها: أن من شأن هذه الإحواءات التعسفية وفرض القيود على التبادل الفكري والعلمي التقليل من فرض ما يدعونه حول العولمة الثقافية والعلمية ، إذ تتناقض الدعوة إلى عولمة الثقافة مع تقييد حرية المترجمين والباحثين ومن على شاكلتهم في أشكال الفنون والأداب المختلفة، تقييد حريتهم في الاستفادة من إنتاج نظرائهم في مختلف بلدان العالم. إن معاملة الإنتاج الثقافي والفني والعلمي معاملة السلع التجارية هو في اعتقادي أول مسمار قوي يدق في نعش العولمة الثقافية التي أراد الغربيون نصب فخاخها للسيطرة وللهيمنة على الثقافات الأخرى ومسخها ومحوها، فقاموا عبر هذه الاتفاقيات المجحفة بنقض ما سعوا إليه.

ولعل هذا يدعو كل مثقفي العالم ومفكريه خاصة من أبناء الحضارات الأخرى أن يعيدوا النظر في الانخراط في فلك الثقافة الغربية، وأن يتوقفوا عن السعي إلى تقليدها والتبعية لها. وأن يعيدوا بناء ثقافاتهم القومية وتجديدها بما يتلاءم مع مقتضيات العصر الحاضر حتى يمكنهم مواجهة الثقافة الغربية التي تفرض عليهم نفسها مع دفع الثمن!!.

الوامش والمراجع

(1) نقلأ عن: د. مصطفى عبدالغني: الجات والتبعية الثقافية، مركز ا لحضارة العربية1988م، ص81-82 .

(2) انظر معنى مصطلح الرأسمالية النفاثة Turb Kapitaismus وتداعيات انتصارها على المستوى العالمي في:

هانس بيتر مارتين وهارالد شومان: فخ ا لعولمة- الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية، ترجمة: د. عدنان عباس علي ومراجعة وتقديم: د. رمزي زكي، منشورات عالم المعرفة بالكويت (238)، 1998م، ص35 .

(3) د. رمزي زكي: تقديمه للمرجع السابق ذكره، ص 8 ، 9 .

(4) هانس بيتر مارتين هارالد شومان: نفس المرجع، ص 26 .

(5) نفسه.

(6) نفسه، ص 21 .

(7) أنظر: د. مصطفى النشار: سبل النجاة من فخ العولمة الاقتصادية المدمر، تحت النشر بصفحة الحوار القومي بجريدة الأهرام.

(8) انظر: د. مصطفى النشار: ضد العولمة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1999 م، ص 9 – 10

(9) د. رمزي زكي، المصدر السابق نفسه، ص 10 .

(10) أنظر: شبنجلر: تدهور الحضارة الغربية، الترجمة العربية لأحمد الشيباني.

(11) أنظر: أرنولد توينبي: مختصر دراسة للتاريخ، الذي أعده سومرفيل لكتاب توينبي ‌”دراسة التاريخ” ترجمة فؤاد شبل، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة، عدة أجزاء 1965 – 1968 م.

(12) أنظر: ألبرت اشفيتسر: فلسفة الحضارة، ترجمة د. عبدالرحمن بدوي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1963 م.

(13) أنظر ما كتبناه عن هذا الموضوح في: الحوار المستحيل بين حضارات الشرق وامبراطورية ‌ “الشر الأبيض‌”، نشر ضمن كتاب “ضد العولمة”، سبق الإشارة إليه، ص 159 وما بعدها.

(14) ملحق (1) من اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، نقلآ عن: د. مصطفى عبدالغني، المرجع السابق نفسه، ص 83 .

(15) أنظر: د. مصطفى عبدالغني، المرجع نفسه، ص 44 .

(16) نفسة.

أطروحات العولمة

رؤية بريجنسكي للمستقبل العربي ورؤية عوني فرسخ بشأنه

رؤيتين متناقضتين في الطرح والإفتراض والنتائج، كل رؤية لها إفتراضياتها وتقييمها وخطتها، وكل هذه الأمور من أطروحات العولمه وما ينتج عنها فكريا وعمليا وممارسة وتطبيقا. وهنا يكمن دور الوعي الوطني في التعاطي مع هدذه الإفتراضات سلبا أو إيجابا بجهد وطني يرسخ لمستقبل الوطن العربي والذود عن النيل من الوطن.

كان بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في إدارة الرئيس كارتر، أول من دعا لتفكيك النظام الإقليمي العربي وطمس عروبته، وإعادة تشكيله على أسس عرقية وطائفية . ففي كتابه “بين جيلين”، الصادر أواسط سبعينات القرن الماضي، كتب يقول: “الشرق الاوسط مثلا مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة يجمعها إطار إقليمي . فسكان مصر ومناطق شرق البحر المتوسط غير عرب، أما داخل سوريا فهم عرب . وعلى ذلك فسوف يكون هناك “شرق أوسط” مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة على أساس مبدأ الدولة – الأمة، تتحول إلى كانتونات طائفية وعرقية يجمعها إطار إقليمي (كونفيدرالي) . . ويضيف قائلاً: “وهذا سيسمح للكانتون “الإسرائيلي” أن يعيش في المنطقة بعد أن تصفى فكرة القومية” .

ومؤخراً كتب في العدد الأخير من مجلة “فورين بوليسي” مستعرضاً تداعيات تراجع أمريكياً على حلفائها في العالم . وفي تناوله للتداعيات على الوطن العربي يرى أن المنطقة معرضة لتقويض استقرارها السياسي، وأن جميع دولها معرضة لدرجات متفاوتة من الضغوط الشعبوية الداخلية، والقلاقل  الاجتماعية، وصعود الأصولية الدينية . ويذهب إلى أن عدم التوصل في الصراع العربي – الصهيوني لحل الدولتين سيزيد العداء ل”إسرائيل” . وهو يتوقع حدوث فورات تتحول لمواجهات عسكرية بين ايران و”إسرائيل” تدفع ثمنها الكيانات الاضعف، خاصة لبنان وفلسطين، فضلاً عن أنها ستؤدي لتصاعد الأصولية الإسلامية والتطرف وأزمة طاقة عالمية، وتعرض حلفاء أمريكا في الخليج للخطر .

ولا شك أن دور أمريكا تراجع عالمياً، وهذا ما يقر به بريجنسكي، غير أن تدخلها في أدق شؤون الوطن العربي لم يتراجع، ولا انحسر تآمرها على وحدة أقطاره وانتمائها القومي، بل زاد وتضاعف خطرهما . ذلك لأن أداتها الاستراتيجية في الاقليم العربي هي اليوم أشد حاجة والحاحاً لدعم الادارة والأجهزة الأمريكية، بعد أن أفقدتها المقاومة قوة ردعها، ما تعانيه من قلق بفعل الربيع العربي الذي وضع الشعوب العربية على عتبة الانعتاق من أسار الركود الذي ران عليها طوال العقود الأربعة التالية للردة الساداتية وافتقاد مصر دورها القومي المرجح استعادتها له بعد سقوط مبارك، “كنز “إسرائيل “الاستراتيجي” .

والسؤال المحوري: ما العمل في مواجهة المخاطر التي تحدث عنها بريجنسكي، ونذر تفتيت وحدة التراب الوطني والنسيج المجتمعي لأكثر من قطر عربي، وتداعيات خطاب غلاة الاصوليين الاسلاميين والمسيحيين و”صقور” الأقليات في مشرق الوطن العربي ومغربه؟ وفي الإجابة أرى أن كل من يهمه أمن واستقرار وتقدم ورخاء مواطني أقطار جامعة الدول العربية مطالبون بالعمل على المحاور التالية:

الطرح الذي يتبناه عوني فرسخ كحل وبرننامج ولإنقاذ الوطن العربي كالآتي:

* الأول، تعميم وتعميق الشعور بالانتماء للعروبة، أخذا بالحسبان أن العروبة لا تعود لانتساب سلالي وإنما لانتماء حضاري لثقافة عربية اسلامية أسهم في نسج خيوطها مبدعون متعددو الأديان والمذاهب والطوائف، يعود غالبيتهم في أصولهم لمنطقة الوطن العربي، وغير قليل ممن توافدوا عليه في صدر الإسلام حين كان مركز الحضارة الأول عالميا . بحيث شكلت الثقافة العربية الإسلامية توليفة تفاعل مبدع بين تراث الشعوب التي عمرت الوطن العربي منذ فجر التاريخ، وما أضفاه الإسلام من قيم انسانية وتعاليم روحية، وما ترجم من تراث فارس والهند واليونان . ثم إن الدعوة للالتزام بالعروبة إنما هي الاستجابة التي يستدعيها تحدي استهداف النظام الاقليمي العربي وهويته المتمثل بالاستراتيجية الأمريكية لإقامة “الشرق الاوسط الجديد/الكبير”، المراد له أن يدور في الفلك الأمريكي بقيادة “إسرائيل”، كي يتواصل واقع التجزئة والتخلف والتبعية الذي تعيشه الشعوب العربية .

* الثاني: العمل الجاد والصادق لتعميق الشعور بالوحدة الوطنية في كل قطر عربي، وذلك بتفعيل وتطوير ما  هو مشترك بين مواطنيه، وتأصيل مفهوم المواطنة القائم على تأكيد مساواة جميع شركاء المسيرة والمصير في الحقوق والواجبات، وتعميق ثقافة الحوار واحترام حق الآخر بالاختلاف باعتبار ذلك أول شروط التقدم على طريق الديمقراطية التي تنشدها الشعوب العربية . فضلا عن أهمية ذلك في إثراء الثقافة الوطنية وتعزيز وحدة النسيج الاجتماعي الوطني، وبلورة مرجعية وطنية جامعة . أخذا بالحسبان تميز الواقع في معظم الأقطار العربية بالتداخل السكاني وسعة وعمق  التفاعلات الاجتماعية فيما بين أبناء وبنات مختلف الجماعات الوطنية . والثابت في تجارب سائر الامم والشعوب أن الالتزام بالوحدة الوطنية أول شروط توفر مناخات التقدم والازدهار في مختلف نواحي الحياة، فيما استشراء الفتن الطائفية والعرقية لا يسلم من آثارها السلبية احد، خاصة الراقصين على طبول دعوات التعصب العرقي والطائفي .

* الثالث: التوجه الجاد والواعي نحو التكامل القومي العربي، باعتبار الوحدة العربية غدت ضرورة تاريخية لمواجهة افتقاد الأقطار العربية المنعة تجاه الضغوط والمداخلات الخارجية، وافتقار غالبيتها لمقومات مواكبة التقدم العلمي والمعرفي متسارع الخطى عالميا، وتزايد المواطنين وتعاظم احتياجاتهم بما يفوق تطور امكانات غالبية الاقطار العربية . فضلا عن تميز الوطن العربي بامتلاكه مقومات الوحدة إذ هو على درجة  عالية من التجانس والاندماج على محاور السلالة التاريخية واللغة والثقافة والقيم وأنماط السلوك، ولدرجة كبيرة على محور الدين والمذهب، وبرغم ذلك لما تزل الشعوب العربية أسيرة واقع التجزئة والقصور عن توظيف إمكانات وطنها الكبير المادية وقدراته البشرية بما يؤدي إلى تطوير قدراته الانتاجية وبحيث يبقى مستورداً أساسياً للسلع والخدمات ومهجراً للعقول . ناهيك عن كون الأزمة الاقتصادية لعبت دوراً أساسياً في تفجر ثورتي تونس ومصر . فضلاً عن خطورة العجز المالي الذي تعانيه غالبية الأقطار العربية والقطاع الأوسع من النخب الفكرية والسياسية، وما يدفع إليه من لجوء لطلب “الدعم” الخارجي، رغم ما ينطوي عليه من مساس خطر باستقلال الإرادة والثوابت الوطنية .

وعليه فالاستجابة الفاعلة للتحدي الذي يجسده مخطط التفتيت العرقي والطائفي المعتمد أمريكياً، تستدعي عملاً جاداً وصادقاً على محاور تعميم وتعميق الوعي بأهمية الالتزام بالعروبة الجامعة، والوحدة الوطنية داخل كل قطر عربي، والتكامل القومي . ولا خلاف أن استجابة من هذا المستوى غير ميسورة في الواقع الراهن، غير أن التحدي الخطر الذي يمثله مخطط التفتيت سوف يستفز المخزون الحضاري لأمة عرفت تاريخياً بقدرتها الفذة على النهوض من الكبوات ودحر الغزاة . وفي تطور قدرات وأداء قوى المقاومة، كما في الربيع العربي ما يدعو للتفاؤل بالمستقبل العربي .

لقراءة المزيد عن موضوع “العولمة” أنقر على هذه الروابط:

العولمة والسخط  للسيد عبد العزيز الفهد.

العولمة والهوية المصرية للسيد إبراهيم فتحي.

الإسلام والعولمة الرأسمالية للسيد د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب